بقلم وزير المالية الاردني الأسبق د محمد أبو حمور…..
السياسات الاقتصادية والاِستثمار
الجهود التي بذلت خلال الفترة الأخيرة لتحسين وتنظيم البيئة الاستثمارية تمحورت في جزء كبير منها على الإطار التشريعي باعتباره القاعدة الأساسية لتحفيز وجذب الاستثمارات المحلية منها والخارجية، وبالرغم من أهمية وضرورة هذا الجانب الا أن القانون لوحده لا يتيح تحقيق الأهداف الاقتصادية والتنموية المتوخاة حتى في حال توفر الإعفاءات الضريبية السخية والمزايا الاخرى.
وتشير تجارب العديد من دول العالم الى أن العامل الأساسي في تشجيع الاستثمار يتحقق عبر نوعية السياسات الاقتصادية الكلية ومدى انسجامها وتناسقها ونجاحها في توفير ظروف ملائمة للاستثمارات، فالمستثمر اذا وجد البيئة المناسبة وتوفرت له مستلزمات الإنتاج والخدمات المطلوبة التي تتيح تحقيق عائد معقول لا يمانع في دفع ما يترتب عليه من ضرائب .
عادة ما يتم اتخاذ القرار الاستثماري بناءً على مجموعة من العوامل التي توفر الأمان وتتيح تحقيق أرباح لراس المال وهذه العوامل بمجموعها تشكل المناخ الاستثماري او بيئة الاعمال المناسبة، والتي تتشكل عبر مجمل الأوضاع الاقتصادية والتشريعية والسياسية والاجتماعية، فالسياسات النقدية التي تتيح الحفاظ على سعر الصرف وتحافظ على مستوى ملائم من التضخم وتؤمن حرية تحويل الأموال وتساعد في توفير التمويل بكلفة مناسبة تعد عاملاً أساسياً في تشجيع وتحفيز الاستثمار، كما أن السياسة المالية هي الأخرى من أساسيات بيئة الاعمال الجاذبة خاصة عندما يتم اعتماد سياسة ضريبية عادلة ورشيدة وتوجيه الانفاق نحو الأولويات التي توفر بنية تحتية متطورة، وتتجنب تحمل أعباء مديونية سيعتبرها المستثمرون ضرائب مؤجلة ولا تنافس المستثمر المحلي على السيولة المتوفرة في الاسواق، وتقدم الخدمات العامة بنوعية وكفاءة عالية وتسهل الحصول على مستلزمات الإنتاج بإجراءات ميسرة ولا تمانع في منح بعض الإعفاءات والمزايا للمشاريع التي تساعد في انشاء صناعات واستثمارات رديفة تنعكس إيجابا على مجمل الأداء الاقتصادي.
أما السياسات التجارية فمن المهم أن توفر للمنتج الحلي فرصة ولوج الأسواق العالمية بشروط تفضيلية من خلال الاهتمام بعدالة ونزاهة ما يعقد من اتفاقيات تجارية أو اتفاقيات تعاون ثنائي مع ضمان المعاملة بالمثل في الأوقات التي تستلزم ذلك وبحيث تحصل المنتجات المحلية على شروط تنافسية عادلة تراعي ما قد تقدمه الدول الأخرى من دعم لمنتجاتها، مع العمل في نفس الوقت على تخفيض كلفة المنتج المحلي وعدم تحميل المستثمر أعباء تقلص من قدرته التنافسية في الأسواق الخارجية، بل مساعدته على توفير ما يمكنه من رفع انتاجيته سواءً من خلال سياسات العمل وتوفر الكوادر البشرية المؤهلة او من خلال البحث والتطوير وتشجيع الابتكار.
التنافس على جذب الاستثمارات لا يقتصر اليوم على دولة دون أخرى بل يشمل مختلف دول العالم، وإمكانية التميز في هذا التنافس متاحة اذا استطعنا أن نعزز الجوانب الإيجابية بما فيها الاستقرار السياسي وسلامة السياسة النقدية وحصافة السياسة المالية والاتفاقيات التجارية مع العديد من الدول والمجموعات الاقتصادية الإقليمية والعالمية، وسيادة القانون ونزاهة القضاء واستقلاليته، والمشاريع الناجحة التي نفذتها بعض من كبرى الشركات العالمية، ولكن لا زال لدينا بعض العقبات الإدارية التي لا بد من التعامل معها خاصة ما يتعلق بإجراءات انشاء المشاريع والتراخيص المختلفة بما فيها تلك التي تخص الإدارة المحلية، كما لا بد من العمل على توفير بيئة اجتماعية ترحب بالمستثمر وتتيح التعاون معه وتفهم متطلباته، وهذا يتطلب منا الاستمرار في إجراءات التحديث الإداري والاستمرار في اتاحة المجال أمام القطاع الخاص لممارسة مختلف الأنشطة الاقتصادية مع توفير البنى التحتية المتطورة والخدمات المناسبة للمستثمر والمواطن في نفس الوقت، بما في ذلك شبكات النقل والاتصالات والخدمات التكنولوجية ومصادر الطاقة ذات الكلفة المعقولة مقارنة بما هو متوفر في الدول المحيطة، وتوفير المعلومات والبيانات للمستثمرين بطرق وأساليب تشجعهم على اتخاذ القرارات الاستثمارية.
ولا بد لنا أيضاً من الإشارة الى دور الاستثمار العام الذي يتم عبر النفقات الرأسمالية وضرورة بذل العناية اللازمة به خاصة مع محدودية الحيز المالي المتاح لهذا النمط من الانفاق مما يستدعي تحديد الأولويات بدقة وكفاءة مع الاستعانة بالنموذج الرقمي لتحليل أثر السياسات الاقتصادية في تحديد أولويات الاستثمار الذي أعلنت عنه وزارة التخطيط قبل ما يقارب العامين وايلاء مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص اهمية بالغة.