فضل الله في خطبة العيد:
للمزيد من التكافل بين اللبنانيين والخارج لم يحسم أمره بالحل
ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة عيد الأضحى المبارك، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بعدما أم المصلين ومما جاء في خطبته السياسية: يطل علينا العيد ونحن نواجه في هذا البلد ظرفاً هو من أصعب الظروف على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، ولا نظن أن مرحلة مرت على هذا البلد كمثل هذه المرحلة، حيث اللبنانيون باتوا فيها يفتقدون أبسط مقومات حياتهم وغير قادرين على الحصول على أموالهم التي أودعوها أمانة في البنوك وهي جنى عمرهم، ووصلت تداعياته إلى المس بأمنهم واستقرارهم في هذا البلد…
في وقت، يستمر فيه الواقع السياسي على حاله من الانقسام ومن إدارة الظهر لهموم اللبنانيين ومعاناتهم وعدم السعي لإخراج البلد من الانهيار، والذي لن يحصل إلا ببناء دولة قوية قادرة على القيام بمسؤوليتها، والذي نراه يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية قادر على إدارة سفينة البلد إلى شاطئ الأمان وصولاً إلى حكومة كفوءة، حيث لا زلنا نشهد الصراع على هذا الصعيد بفعل الانقسام بين القوى السياسية، والذي عبرت عنه الانتخابات الأخيرة.. فيما لا ما يزال كلٌّ على موقفه الذي أخذه من دون أن يبدي أي طرف اشارة بالتنازل عن خياره، رغم وعي الجميع ويقينه أن لا أحد قادر على حسم خياره بفوز الرئيس الذي يريد، وحتى الان لم تظهر أي بوادر توحي بإرادة جدية للسير بحوار يتحدث عنه الجميع يفضي إلى حل لهذه المعضلة، ما يجعل البلد رهينة الخارج وما يقرره على هذا الصعيد.
إننا في الوقت الذي نقدر أي مبادرة تساعد اللبنانيين على حل وإخراج الاستحقاق الرئاسي من المأزق الذي وصل إليه، فإننا ما زلنا على قناعة أن الخارج المؤثر على
الساحة اللبنانية والقوى السياسية لم يـأخذ بعد قراره الحاسم في هذا الشأن، إما لعدم التوافق بين أطرافه، أو لأن الظروف السياسية لم تنضج بعد في حسابات هؤلاء، ما يبقي هذا الملف بكل تداعياته في دائرة الانتظار.
إن من المؤسف استسلام القوى السياسية لهذا الواقع، فيما هم قادرون إن أرادوا وخرجوا من حساباتهم الخاصة ورهاناتهم على فتح منافذ الحوار في ما بينهم للوصول إلى آلية تضمن هذا الاستحقاق… وإلى أن يحصل ذلك ما على اللبنانيين إلا أن يقلعوا أشواكهم بأظافرهم وأن يتعاونوا ويتباذلوا ويسند بعضهم بعضاً.
وهنا نجدد تقديرنا لكل مبادرات الخير التي تنطلق من أفراد ومؤسسات وجمعيات، ونخص هنا المغتربين الذين لم يتركوا أهلهم وأبناء وطنهم يعانون رغم كل التقصير وحتى الأذى الذي لحق بهم ممن يديرون أمر هذا البلد، ونأمل أن تستمر هذه المبادرات إلى أن يخرج لبنان من واقعه الصعب.
ونبقى في الداخل، لنشير إلى ضرورة عدم الغفلة عن الاستعدادات المستمرة التي يقوم بها العدو الصهيوني للعدوان على لبنان وتهديداته، وهو ما تشير إليه المناورات التي يجريها على الحدود، وإن كنا ما زلنا نرى أنها تندرج في إطار سياسة التهويل التي يلجأ إليها للتغطية على العجز الذي يعيشه عن الإقدام على أي عدوان جديد بفعل ما أظهرته المقاومة من استعدادات غير مسبوقة لمواجهته، وما أظهره هذا الشعب من إرادة صلبة في التمسك بكل شبر من الأرض اللبنانية، وهي تجلت ولا تزال في مواجهة كفرشوبا، وفي إسقاط المسيرة من قبل المقاومة، ما يجعل العدو لا يملك الحرية في الجو كما لا يملكها في البر والبحر، وهذا يؤكد على حقيقة طالما دعونا إليها وهي حفظ هذا الموقع من مواقع القوة بدلاً من السعي للتفريط به أو التصويب عليه…
أما على الصعيد العربي والإسلامي، فإننا نحيي كل المبادرات التي جرت وتجري على صعيد التقارب بين الدول العربية والإسلامية، لما في ذلك من تعزيز لقوتها وإزالة فتيل الخلافات والصراعات التي أدت إلى استنزاف قدراتها وإمكاناتها، وأكلت أخضرها ويابسها، وندعو إلى أن تمتين هذه العلاقات على المستويات كافة وتعميقها، والوقوف في وجه المحاولات لتخريب هذه العلاقات ومنعها من تحقيق ما تصبو إليه.
ونبقى في فلسطين، حيث يستمر الشعب الفلسطيني بتقديم التضحيات الجسام في تصديه للممارسات التي يقوم بها جيش العدو الصهيوني والمستوطنين بحقه، ويقدم أنموذجاً في البطولة والفداء رغم قلة إمكاناته وما يعانيه من حصار وقتل وتشريد وإذلال.
إننا في يوم التضحية، نحيي تضحيات هذا الشعب ومقاومته وندعو الشعوب العربية والإسلامية إلى دعم صموده وعدم تركه يعاني وحده حتى لا يحقق العدو ومستوطنيه أهدافهم ومراميهم.
وأخيراً، نتوجه بالدعاء للحجاج لإتمام مناسكهم وتقبل أعمالهم والتهنئة للمسلمين في هذا العيد، سائلين المولى أن يحمل إليهم تباشير الأمن والأمل والسلام والصحة والعافية ويعزز أواصر الوحدة في ما بينهم.