احتفل رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم بعيد مولد السيدة العذراء، فترأس قداساً في باحة مقام سيدة زحلة والبقاع، عشية العيد، بمشاركة الآباء: ايلياس ابراهيم، عبدالله سكاف، ادمون بخاش وطوني الفحل بحضور جمهور كبير من المؤمنين تقدمهم مدير عام وزارة الزراعة المهندس لويس لحود.
بعد الإنجيل المقدس كان للمطران ابراهيم عظة تحدث فيها عن ميلاد مريم العذراء ومعانيه في الحياة اليومية فقال:
” في هذا المساء المبارك وفي هذا المقام المقدس، نحتفل بعيد ميلاد سيدتنا والدة الاله الفائقة القداسة الدائمة البتولية السيدة مريم، الأم الطاهرة التي اختارها الله لتكون شريكة ابنه الفادي بوصفها أمه لأنه من خلالها تجسد وصار إنسانًا ليخلص العالم. إنها خيارُ الله الأزلي لتكون أم الكلمة المتجسد. فمولدها ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو بداية تحقيق الخلاص للبشرية. هذا يجعلها سلطانة العالم لأنها أعطته شمس العدل، وأغدقت عليه بابنها الإلهي، الفرح الأبدي. عندما نتأمل في قداسة مريم، ندرك أننا أمام نموذج فريد في الطهارة والقداسة، نموذج للأمومة، والعطاء، والحب، والإيمان العميق. هي ابنة أبوين صالحين، يواكيم وحنة، اللذين مدحهما القديس يوحنا الدمشقي بقوله: “هنيئاً لكما، أيها الزوجان ! فإن الخليقة كلَّها لمدينةٌ لكما. لأنها استطاعت بكما أن تقدّم للخالق الهدية التي لا تعلوها هدية، الأم البتول، التي هي وحدها جديرةٌ بالخالق. فافرح يا يواكيم، لأن الابن أُعطيَ لنا مولوداً من ابنتكَ.” ليتَ أهلنا ينالون بعضا من هذا التقريظ بسبب صلاحٍ نعيشُهُ ودعوةٍ نتممها بالقداسة في هذا العالم، بدلاً من أن يحصلوا على لعنة الناس بسبب شرٍّ نقترفُهُ وخرابٍ نسببهُ لذاتنا وللآخرين. نعم! هناك من وُلدوا للعالم نعمةً على مثال مريم، وهناك مَن وُلدوا للعالم نقمةً على مثال بعض المسؤولين في الأرض وفي وطننا لبنان بنوع أخص.”
واضاف” أيها الأحباء، إن مولد العذراء مريم يرمز إلى إشراقة النور في عالم كان يتخبط في ظلام الخطيئة. هي “الممتلئة نعمة” التي اختارها الله منذ الأزل لتكون أماً لابنه الوحيد. قداسةُ مريم تتجلى في طاعتها الكاملة لمشيئة الله، وفي نقاء قلبها الذي لم يعرف أي خطيئة. هي التي قالت: “ها أنا أمة الرب، ليكن لي بحسب قولك” (لوقا 1:38)، لم تتردد لحظة في قبول الدعوة الإلهية، بل استقبلتها بحب وإيمان مطلق.
هذه القداسة ليست مجرد فضيلة فردية، بل هي دعوة لكل واحد منا للسير على خطاها. عندما نتأمل في حياتها، ندرك أن الطاعة لمشيئة الله ليست عبئاً، بل هي طريق إلى الفرح الحقيقي. مريم تعلّمنا أن القلب النقي، المستعد للإصغاء لصوت الله، هو قلب يفيض نعمة وبركة. فليخب ظن كل من أرادنا قلوبا تفيض بالحزن واليأس. إن مريم العذراء معنا، فاعلموا أيها الفاسدون وانهزموا، لأن العذراء معنا. إنها حاميتُنا وقائدتنا. بأمومتها نتقوى ونستنير. إنها أمُّنا، أمّ الكنيسة وأمّ المؤمنين. من على الصليب، منحها المسيح لنا أمًا عندما قال: “يا امرأة، هوذا ابنك” (يوحنا 19:26). في تلك اللحظة، أصبحت مريم أمًا لكل البشرية، حاضنة لكل من يؤمن بالمسيح. هذه الأمومة ليست عاطفية فقط، بل هي دعوة لكل مؤمن بأن يجد فيها ملجأ وسنداً في حياته.”
وتابع سيادته” مريم، الأم الحنون، ترعى أبناءها في كل الأوقات. لم تتخل عن الكنيسة، بل هي ترافقها في كل محنة، كما رافقت المسيح في طريق الآلام. لقد وقفت بجانب الصليب، وهي اليوم تقف بجانبنا، تحمينا وترافقنا في طريقنا نحو الخلاص. أمومتها لنا هي تعبير عن حب الله اللامتناهي لنا.
عبر تاريخ الكنيسة، كانت مريم دائمًا حاضرة في لحظات المحن والتحديات. ظهوراتها المباركة في لورد، وفاطيما، وغوادالوبي وغيرها، كانت نداءً للعالم للتوبة والعودة إلى الله. من خلالها، يُظهر الله رحمته ويعلن عن محبته اللامحدودة للبشرية. مريم هي القناة التي من خلالها يتدفق النور الإلهي ليغمر الأرض بسلامه.
إننا عندما نتأمل في دور مريم عبر التاريخ، نرى أنها ليست فقط أمًا روحية، بل هي قائدة تقود الكنيسة في أوقات الظلام. هي التي تشفع لنا أمام عرش النعمة، وتدعو العالم إلى السلام والمصالحة مع الله.”
واردف قائلاً ” في هذا الظرف العصيب الذي يمر به لبنان، نقف جميعًا أمام التحديات الكبيرة التي تهدد كياننا ووحدتنا وسلامنا. لكن، كما حمت مريم زحلة ولبنان في الماضي، هي اليوم تواصل حمايتنا بصلواتها وشفاعتها. كيف ننسى حماية مريم العجائبية لزحلة في محنتها. إنها “سيدة زحلة والبقاع” حيث تنحني الرُب للصلاة والتوبة وهي وحدها تعلم كم من الأعاجيب أجرت في هذا المكان التي تقدسه. وكيف ننسى تلك اللحظات التي التجأنا فيها إليها في أوقات اليأس والحروب والمحن؟
مريم هي سيدة السلام، وهي التي تطلب منا اليوم أن نتحد ونصلي من أجل وطننا. لبنان، هذا البلد الذي وضع تحت حمايتها، يمر بأزمة قد تهزّ إيمانه وثقته بالله. لكننا على يقين أن شفاعة مريم لن تترك هذا البلد يسقط. في هذه الأيام الصعبة، نحن بحاجة إلى أمومتها وشفقتها أكثر من أي وقت مضى. دعونا نلجأ إليها بقلوب مفتوحة، طالبين منها أن تمد يدها الحانية لتحمي وطننا وتردّه إلى درب السلام.
أيها الأحباء، إن مولد العذراء مريم هو دعوة لنا جميعًا لكي نجدد إيماننا بالله وبقدرته على تحويل الظلام إلى نور. فلنضع كل مخاوفنا وآلامنا بين يديها، ولنتعلم منها كيف نكون أبناءً طائعين لله، ونمضي قدمًا بثقة بأن يد الله تعمل من خلالنا.”
وختم المطران ابراهيم ” نطلب من السيدة العذراء مريم، سيدة زحلة، أن تظل حامية لهذه المدينة المباركة، وللبنان الحبيب، وأن تمنحنا الحكمة والقوة لمواجهة التحديات، والإيمان بأن الله معنا في كل لحظة وأن تشفي وتعيد ألينا سالماً الأرشمندريت إيلي بو شعيا، كاهن المقام المحترم الذي يرسل لكم محبته وتحياته. أشكر كل من يتعب في هذا المقام من متطوعين وموظفين وأشكر خصوصا الأستاذة ساندرا جريجيري على كل ما تبذله من جهود في الحفاظ على هذا المقام المقدس. كما أشكر الأستاذ مارون مخول، رئيس منتدى زحلة الثقافي، والمرنمة ريتا برهوم وفرقة ميوزيكا والأستاذ ايلي طرباي وجماعة الخدمة الصالحة ومهندسي الصوت والإعلاميين الذين نظموا وغطوا هذا الرسيتال الديني الذي سنحضره بعد هذا القداس مباشرة. أشكر إخوتي الكهنة والشمامسة المشركين معي في هذا القداس الإلهي وأقول للجميع: كل عيد وأنتم بألف خير. آمين.”