كتب حسين حاموش:
منذ قرن مات الناس جوعاً في لبنان من جراء الحرب العالمية الأولى فقد البلد ثلث سكانه، رواية “الرغيف” لتوفيق يوسف عواد، شهادة جارحة من ذلك الزمن الأسود.
في الزمن الحاضر، وبعد مئة عام لم يكن اللبنانيون بحاجة إلى السؤال: هل نحن عائدون قرناً إلى الوراء؟ وهل نحن على أبواب المجاعة؟ وهل يمكن النجاة منها؟
الجواب مقلق. لا طمأنينة بعد اليوم.
لبنان محاصر خارجياً: فقر ومجاعة في الداخل. وقرار حرمان من الخارج بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب والشرق.
مساعدة لبنان ممنوعة، لأن لبنان على مفترق خيارات إقليمية مفتوحة فيها جبهات المواجهة والقتال.
لا أحد مستعد لمساعدة لبنان من دون أثمان سياسية. لا صندوق النقد الدولي، ولا الأشقاء العرب.
الخوف كل الخوف من المساعدات المشروطة أبرزها: ما جاء في ما سمي <بصفقة القرن>
وآليتها التنفيذية: توطين النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين مع الأولوية للسوريين لجهة التقديمات.
أذن، لا أموال بلا سياسة حتى لومتنا جوعاً.
وبكل وضوح أعلنت الولايات المتحدة << لا أموال من البنك الدولي وبالتالي من صندوق النقد الدولي إلا إذا أنتخب مجلس النواب شخصية لها خلفية مالية واقتصادية>>
وعلى هذا الأساس برز اسم وزير المالية السابق والركن الأساسي لصندوق النقد والبنك الدوليين جهاد أزعور لا سيما في قارة آسيا.
باختصار: بيع ما تبقي من ممتلكات وأصول الدولة للبنك والصندوق الدوليين بالأسعار التي يحددانها _ الصندوق والبنك _ ولأخذ العلم في السنوات الماضية أقدم أصحاب الشأن والنفوذ في السلطة آنذاك على بيع الشواطئ مجانا. هل يوجد أحقر من بعض السلطة تتباهى بأنها فاسدة، فاسدة، ياحيف!
وتعقيبًا على ذلك قال الوزير السابق الدكتور غسان سلامة:
<< فقط عندنا يسير الفاسد في الشارع متباهياً. أنظروا إليهم. حدقوا بهم بربكم. كيف تطيقون هذا المشهد. >>؟؟..
نعم سريعاً بلغ لبنان القاع. لبنان دخل جحيم الأفلاس. لبنان لن يخرج من الأسفل.
من دون ضحايا، الفقراء دفعوا وسيدفعون الثمن. الطبقة الوسطى اتجهت حكماً إلى الأسفل.
ها نحن كلنا نعيش في قلق الغد: مسكناً> عملًا، وظيفة، أقساطًا -على جميع الأصعدة-مدارساً، جامعاتاً، طبابة.. دواء، غذاء، هجرة في جميع الاتجاهات.
من قبل عرفت دول كثيرة نكبة الإفلاس.
أوجه الشبه كثيرة بين نكبة لبنان الراهنة ومآسي الدول التي بين ليلة كالحة وضحاها الأسود، فقدت سيولتها فأقفلت مصارفها، وأغلقت معاملها، وكسدت صناعتها، وبارت زراعتها، وفقدت عملتها الصعبة إلى درجه لم تعد تساوي <<نكلة >> أما الودائع فوداعاً لا وسيلة للخلاص غير التسول الدولي الذي غالباً ما تكون شروطه قاسية مالياً وسياسياً. لسنا مع الأسف وحدنا، هناك من نتشبه به ويشبهنا.
الذين أصيبوا بداء العولمة، واجتياحات النيوليبرالية، وتحكم الرأسمال المصرفي الربوي وتسهيلات الاستدانة بشروط مغرية بكلفة ظالمة تمس السيادة الوطنية، وتجعل من الاستقلال الاقتصادي أكذوبة، لاستحالة بلوغها.
هؤلاء جميعاً غرقوا ونالوا حصتهم من الإفلاس والتبعية في ظل سلطات تتمتع بحصانة الفساد والمشترك، وبغياب شبه تام للسلطة القضائية.
أكثر من 40 إلى 50 دولة سبقتنا إلى الهاوية والإفلاس. ودفعت شعوبها الفقيرة حياتها ثمنا لهذه الدورة الجهنمية بقطبيها: المال والموت.
انزلاق لبنان إلى وهم << الفردوس المالي>>
لبنان بعد نهاية الجزء الأول من الحروب الداخلية والخارجية لاسيما العدوانية الإسرائيلية المتواصلة لم يتأخر عن دخول نادي الدول المدينة وبالعملة الصعبة بالتحالف مع بعض الطبقة السياسية ورأس المال المصرفي.
سهل ذلك انزلاق لبنان إلى “وهم الفردوس المالي” لأصحاب رؤوس الأموال الذين أغراهم الربح السهل الذي توفره الفوائد والعائدات.
_ جزء من هذه الأموال كان مسجلاً في دفتر الدائنين حيث تسدد مع فوائد جديدة.
إطفاء الدين الأول بالاقتراض الدائم جعل لبنان ينتقل من دولة بلا ديون إلى دولة مدينة بالعملة الصعبة (الدولار).
_ النتيجة: ها هو لبنان مفلس وغير مسموح له أن يتعافى بقرار مشترك بين الولايات المتحدة الأميركية والبنك وصندوق النقد الدوليين.
_ صندوق النقد الدولي يطوف حالياً طوفه حول لبنان راهنا بهدف إنقاذه عبر إغراء فقرائه هذا الصندوق الأسود أدى إلى حصد الكوارث لأعوام عديدة في دول عديدة.
*من كوارث صندوق النقد الدولي *
اخترنا من كوارث صندوق النقد الدولي الوقائع التالية:
في البداية لابد من الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي تترأسه الولايات المتحدة مع عدد من الدول الكبرى حيث تتوزع الحصص والاسهم وأكبرها الولايات المتحدة والدول الأوروبية واليابان ألخ…..
أوامر من البيت الأبيض: شطب ديون طشقند وتدفق القروض
• في العام 1995 قطع صندوق النقد الدولي كل علاقته بهذا البلد_ طشقند لأدارته الكارثية لقروضه.
صندوق النقد الدولي ليس مستقلاً أبدًا عن الإدارة الأميركية.
الضرورات العسكرية الأميركية في حرب أفغانستان حتمت على واشطن البحث عن محطة لطائراتها المقاتلة لم يكن أمامها سوى طشقند فتدفقت القروض. وشطبت الديون، وعادت عمليات الضخ المالي بأوامر من الرئيس جورج بوشن شخصيًا.
صندوق النقد الدولي متسبب بحالة الفقر لملايين العمال
أميركا اللاتينية ضحية مثالية كونها الحديقة الخلفية “للبيت الأبيض الأميركي “
فماذا عن قارات بعيدة؟ تايلاند (مثلاً).
جوزيف ستيفليتز الذي كان مسؤولًا كبيرًا في صندوق النقد الدولي والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد اتهم صندوق النقد الدولي بأنه فاقم بتدخله، الأزمة المالية التي ابتلعت في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي اقتصاد عدة بلدان في أسيا. وكان الصندوق المسؤول المباشر عن إغلاق عدة معامل وشركات تجارية متسبباً بحالة الفقر التي غرق فيها ملايين المؤسسات والعمال وأسرهم.
تايلاند و الدول المجاورة: صندوق النقد يفرض شروطه
منذ 33 عامًا انفجرت تايلاند: أزمة ماليه كبيرة، أفقدت العملة الوطنية قيمتها. غادرت الرساميل البلاد سراً وعلناً بكثافة.
أقدم البنك المركزي على استخدام مئات الملايين من الاحتياطي من الدولار من أجل شراء العملة الوطنية مقابل الدولار دفاعاً عنها (كما فعل رياض سلامة حاضراً).
بعد 3 أسابيع توقف النزف لأنها وجدت نفسها عاجزة عن الدفع.
انتقلت العدوى إلى اقتصادات دول مجاورة: إندونيسيا، تايوان، كوريا الجنوبية.
صندوق النقد حضر وفرض شروطه. فعل ذلك ودفعت تلك الدول الخسائر الضخمة.
ديون أميركا اللاتينية بفضل مساعدات صندوق النقد الدولي من 60 مليار دولار الى 206 مليارات من الدولار
في ستينيات القرن الماضي كان مجموع ديون أميركا اللاتينية جمعيها: 60 مليار دولار تقريباً إلى 206 مليارات من الدولار.
ديون موزعة على عدد من الدول.
بعد 20 عاماً قفز الدين بعد مساعدات صندوق النقد الدولي
القفزة هذه احتاجت 20 عاماً من المعاناة والانزلاق إلى الأسفل.
ثم بعد 10 سنوات بلغ الدين ضعفين. وصل إلى حافة 443 مليار دولار.
وفي نهاية القرن قفز الدين إلى 750 مليار دولار، ولم يتوقف بعد ذلك أبدًا؟!!
جورج برناردو شو: الأموال ليست هبات راس المال لا يحب ألا الربح
الأموال ليست هبات ابدآ راس المال لا يحب إلا الربح، يمقت الخسارة. مستعد لارتكاب الجرائم، بشرط تأمين أرباح خيالية، هذا هو راس المال وفق تعريف جورج برنارد شو.
كيف حاولت الدولة المدينة إطفاء ديونها.؟
بدأت بتحويل 25 مليار دولار سنوياً لمصلحة الدائنين على مدى 30 عاماً. الدائن جزار.
المدين رقبته تحت المقصلة.
التزمت دول أميركا اللاتينية بتخفيض 30 إلى 35 بالمئة من قيمة صادراتها لا طفاء الدين. وبحساب مقسط على الأفراد حيث توجب على كل فرد في أميركا اللاتينية أن يدفع 2550 دولاراً للدائنين من بلاد الشمال الغنية (من محاضرة موريس لوموان_ معاون رئيس تحرير لوموند ديبلوماتيك عام 2011).
يطلق اقتصاديون كثر على سياسات البنوك الدولية وصناديقها لقب: “مشغلي الحرائق”
وابلغ نموذج الدول التالية:
اقتصاديات الأرجنتين من مزدهرة إلى التعب من الديون والفوائد الباهظة
كانت اقتصاديات الأرجنتين مزدهرة. استدانت وأثقلت اقتصادها بالديون الخارجية. تعبت من الفوائد الباهظة. أقدمت على خصخصة القطاع العام. وحررت الأسواق المالية فشلت طبعاً في سداد ما عليها. وقعت ثمرة ناضجة في قبضة صندوق النقد الدولي الذي يملي سياسته ولا يتفاوض بشأنها. نظام دكتاتوري مطلق.
1+ 1= 10 ليس أقل من ذلك ابدًا- أملى الصندوق على الأرجنتين سياسة اقتصادية ومالية تخدم بالدرجة الأولى، الشركات الكبرى العابرة للقارات. وهي في معظمها أجنبية وتحديداً أميركية. انهارت العملة الوطنية فكان ما كان من فقر وبؤس ومجاعات وعنف وأحزمة بؤس.
وتخلف اقتصادي. وانتفاخ مالي للمصارف والشركات الأجنبية.
الأرجنتينيون أطاحوا ب 4 رؤساء جمهورية
في العام 2001 بلغ الدين الخارجي للأرجنتين 146 مليار دولار (لبنان نقطة جغرافية في بحر الأرجنتين مساحة ومع ذلك بلغت ديونه أكثر من 85 مليار دولار).
اضطرت القيادة السياسية في الأرجنتين إلى اتخاذ قرار بتجميد الودائع المصرفية الخاصة حيث انتشر الهلع بين الناس وانهار الاقتصاد الوطني، وارتفعت نسبة البطالة وتتابعت افلاسات المؤسسات المنتجة، رفض صندوق النقد الدولي صاحب الاملاءات المدمرة تقديم أي قروض جديدة الأمر الذي أدى إلى تفاقم التوتر الذي تحول إلى تمرد شعبي أطاح ب 4 رؤساء جمهورية وفوضى لا سابق لها لعنفها. (اللبنانيون ينتظرهم الأسواء، والسلطة ينتظرها الأشد سوءاً. لقد بدأ اللبنانيون يدركون ان مسيرتهم الحياتية ستقودهم الى الجحيم. لكنهم لن يذهبوا وحدهم سيجرفون السلطة معهم. مهما كانت الكلفة.
لأخذ العلم من أصل 5 يعيش في الأرجنتين 2 على حافة الجوع والموت.
السلطة في البرازيل تشبه السلطة اللبنانية
البرازيل كانت تعاني اقتصاديًا من وصفات الصندوق. خضعت لما أملي على الارجنتبين مع فارق أساسي جدًا: أن السلطة في البرازيل كانت تشبه السلطات اللبنانية في فسادها، تعاقب على السلطة فاسد ثم الأكثر فسادًا- تمامًا كما عندنا في لبنان.
سلالات فاسدة لا ترعوي من الارتكاب العلني. شرعت الموبقات لنفسها. أنعم على البرازيل حكم رشيد ونظيف جدًا. أسماء لامعة جدًا لا غبار عليها خريجو جامعات عالمية، معروفون بالعلم والاستقامة والخبرة. كان وزير الخارجية فيلسوفًا-ليس كما عندنا: وزير العدل كان فارس الرفض الثوري وانضم إلى صفوف المقاومة المسلحة في البرازيل. شهادة حسن سلوك شرعية.
وزير التعليم العالي كان رئيسًا لجامعة، سكرتير الدولة لحقوق الانسان: مقاوم شجاع للديكتاتورية في البرازيل…
جميع هؤلاء كانوا من اليسار المتنور غير الكلاسيكي.
الغريب أن هذه النخبة الممتازة أنزاحت جميعها بأستثناء واحد فقط، وانخرطت في التيار النيوليبرالي كانوا ينتقدون التوافق مع واشطن أصبحوا من المطيعين للخزانة الأميركية ومرتزقتها؟!
حلت المأساة
حلت المأساة: سوء تغذية، عجز وموت، عدد من المتضررين من سياسة السلطة آنذاك بلغ 22 مليون من الفقراء والجائعين والبلا مأوى.
إحصاءات المعارضة قدرت عدد الضحايا آنذاك ب44 مليون، المؤتمر الوطني للأساقفة- آنذاك قدر عدد المعدمين ب55 مليون إنسان- كارثة.
شاهد عيان: كلهم يفتشون داخل حاويات القمامة
شاهد عيان وصف كيف عاش فقراء البرازيل في ظل حكومة فاسدة وتحت أمرة المصارف وسياسة صندوق النقد الدولي.
قال الشاهد في سان بولو وفي ميدان برا كاداسي.
كنت أرى الفقراء- شاهد عيان- يتدافعون حول صنابير المياه المنتشرة على سلم الكنيسة: عاطلون عن العمل، زائغو البصر. صنادل مقطعة، قذرون بشعر كثيف، نساء يحملون أكياسًا من البلاستيك. كلهن يفتشون داخل حاويات القمامة عن شيء أو قطعة خبز يابس أو فواكه عفنة أو قطعة عظام من اللحم الفاسد. نعم نحن أيضًا.. اليوم في لبنان عندنا حالات كحالات مما كانت عليه البرازيل في أكثر من حي أو منطقة أو شارع..
أليس لبنان نموذجًا يحتذى منذ 30 عامًا: ولبنان يراكم الفضائح ويعالج كل فضيحة بأفدح…