تم الحوار مع الدكتورة ليلى الهمامي استاذ العلوم السياسية والاستراتيجية بجامعة لندن والمرشحة السابقة للانتخابات الرئاسية في تونس 2019 حول الاوضاع الجيوسياسية في المنطقة العربية عموما وتونس بالخصوص:
المحرر الصحفي : كيف ترين الأحداث في غزة والتعاطي العربي مع العدوان الصهيوني ؟
د ليلي الهمامي : طوفان الاقصى في 7 اكتوبر الماضي بين مختلف الزوايا وبكل المقاييس كان عملية عسكرية نوعية اعادت الي واجهة الاحداث الدولية القضية الفلسطينية ، هذا بقطع النظر عن الاسئلة التي لا تزال تحيط بهذه العملية وملابساتها والواقع ان العدوان الصهيوني علي غزة كشف عن هشاشة الامن القومي العربي لا فقط من حيث العجز عن الرد العسكري علي العدوان من البلدان العربية بل وقبل هذا ان الرد العسكري تم في المنطقة من الأذرع الإيرانية التي تمثل الطائفة الشيعية هيكلها العظمي وبقي الأمن القومي العربي مختزلا في الانظمة المعتدلة التي مارست الضغط الدبلوماسي دون ان تتورط في اي مغامرة غير محسوبة او غير محسوبة العواقب اخص بالذكر منها النظام المصري والسعودي والاردني ولكن الموضوع موضوع الحيرة والتفكير سيبقي بالنسبة لي مرتبطا بحالة الذهول التي انتابت الشارع العربي الذي لم يقدم الدعم الكافي للشعب الفلسطيني في محنته واختصر دعمه علي بعض التحركات الجماهيرية التي لم تتم ولم تصمد زمنيا.
المحرر الصحفي : هل الدول العربية أو الأنظمة على قدر المسؤولية في تعاطيها مع الأزمة.. وكيف تقيمين موقف الشعوب ؟
د ليلي الهمامي : مواقف الانظمة العربية شعبوي قُصوي (maximalist) يغلق الباب امام كل الحلول الدبلوماسية الواقعية ويصب في حساب النظام الايراني المعادي للتطبيع بشرط حل ملفه النووي .
أما الطرح الثاني فهو الطرح الواقعي الذي يفسح المجال للضغط السياسي والدبلوماسي علي مراكز القرار في العالم من اجل انتزاع الحق الفلسطيني في قيام دولته الحرة المستقلة كاملة السيادة واما وضع الشارع العربي وكما اسلفت ذكره فكان ادني من المتوقع حيث اقتصر الحراك الشعبي في البلدان العربية علي بضعة مظاهرات حاشدة في جل العواصم ولم يثابر في تنظيمها ومواصلتها اية من تلك ذاك الحراك ويكشف هذا الوهن عن ضعف الحركة الشعبية بروافدها في عموم المنطقة العربية خاصة بعد افلاس تجربة الربيع وتفكك مكونات الحراك الذي اقترن به
المحرر الصحفي : البعض يقول أن المنطقة بعد 7 أكتوبر ليست ولن تكون كما قبلها .. هل تتفقين مع هذا الرأي ؟
د ليلي الهمامي : ليس ثمة حتمية يمكن ان تقود الي تحول شامل للمشهد الجيواستراتيجي في المنطقة . فعلي الرغم من ان 7 اكتوبر مثل اهانة لكبرياء وسلف اسرائيل واللوبي الداعم لها في العالم لكن النتائج والتداعيات علي اهميتها ليست جديدة ، فالتنفذ الايراني في المنطقة معلوم من الجميع تماما كما ان الاتجاه نحو تكريس خيار الدولتين غير مؤكد . فالغطاء الدولي الغربي منح لإسرائيل لم يحسب عنها علي الرغم من بشاعة المجازر التي ارتكبتها وعلي الرغم من ان الوعي السياسي لدي دوائر القرار الغربي يتجه نحو البحث عن حل سياسي للأزمة والتخلص من عبء مالي تمثله اسرائيل ، فان النتيجة غير مضمونة خاصة وان الصف العربي مفلولا وفاقدا للوزن الكفيل بتغيير اتجاه القرار الدولي.
المحرر الصحفي : ما مصير مخطط ابرهام الهادف الي التطبيع من اجل ادماج إسرائيل في جغرافيا المنطقة ؟
د ليلي الهمامي : ليس التطبيع في حد ذاته ما يشكل عائقا امام تطور الوضع في الشرق الاوسط وعموما المنطقة العربية فيه علاقة بالنزاع العربي الصهيوني وانما الاشكال في احلال سلام عادل يقوم علي اقامة الدولة الفلسطينية الحرة كاملة السيادة والواقع ان الموقف العربي الذي جسدته خطة السلام السعودي خلال قمة بيروت تمثل المرجع العام لكل حراك دبلوماسي ناجح فليس المفروض ان تكون المواقف القصوية (maximalist) مرجع النظر ولا ان يكون التطبيع منفصلا كذلك عن حصول الشعب الفلسطيني علي حقوقه كاملة ، فلا معني لتعميم التطبيع علي المنطقة علي الرغم ان الانظمة المطبعة تمكنت من اداء دور هام في الحد من العدوان الاسرائيلي
المحرر الصحفي : هل تؤيدين تهجير الفلسطينيين لدول عربية مثل مصر أو الأردن ؟
د ليلي الهمامي : الموضوع بالنسبة لي موضوع مبدئيا غير مطروح للتفاوض فبعد النكبة وبعد النكسة لا سبيل ولا مجال لهجرة جديدة يترك اثرها اهل فلسطين ارضهم والسلام العادل انما تجسده دولة فلسطينية علي ارض فلسطين وكل مخططات التهجير التي سعت اسرائيل الي تنفيذها لم تكن الا محاولات لأسقاط الحق التاريخي للفلسطينيين في ارضهم وفي قيام دولتهم الحرة ذات السيادة الكاملة وهو امر مدان من المواثيق والمعاهدات الدولية ولا تضاهيه الا جرائم النازية خلال الحرب العالمية الثانية
المحرر الصحفي : بخصوص تونس .. حضرتك ترشحتى على رئاسة الجمهورية في 2019.. كيف تقيمين أداء الرئيس الحالي في ظل الأزمات التي تعيشها تونس ؟
د ليلي الهمامي : اداء الرئيس الحالي اختزله ازمة الحليب في البلاد ، نعم ازمة الحليب في البلاد هذه الايام حيث ترتكب جريمة في حق طفولة اعيق نموها البيولوجي بسبب اهمال واغفال من السلطات العمومية عن تزويد السوق بما يكفي من مادة الحليب في فصل يعرف بتراجع انتاج هذه المادة وهو وضع ينضاف الي الكارثة الغذائية التي تواجهها البلاد جراء سياسة تقشف غير معلنة بكل موضعية لا اجد اي نجاح في المعني الايجابي حققه الرئيس قيس سعيد ويمكن بالفعل ان افصل التقييم من جملة من العناصر كالتالي :
اولا : دبلوماسيا فان تونس تعيش حالة عزلة دبلوماسية غير مسبوقة في تاريخها وتختزل مواقفها الخارجية في الاصطفاف وراء المواقف الايرانية والتوتر مع واشنطن والاتحاد الاوروبي مع تقارب حكومة اقصي اليمين في ايطاليا
ثانيا : نجح الرئيس قيس سعيد في توحيد كل الاطراف الاجتماعية والسياسية ضده باستثناء بعض المكونات غير المنسجمة والتي لم تشكل جبهة موحدة وبالفعل فلقد انقلب علي حليفه القديم وهو الاتحاد العام التونسي للشغل وسعي الي اقصاءه وتهميشه عن كل دور ، هذا بالتوازي مع الترويج لخطاب شعبوي معادي للثروة والنجاح الاجتماعي تحت مسمي مقاومة الفساد مكنه من ايقاف جل رجال الاعمال الذين يمثلون العمود الفقري للاقتصاد التونسي
ثالثا : سياسيا اسس قيس سعيد لثقافة الترهيب والتخويف التي افضت الي ايقاف طيف واسع من معارضيه ومنافسيه بعد ارسائه لنظام يكرس السلطة الفردية المطلقة علي مختلف مؤسسات الدولة ولم يلقب جزافا بالحاكم بأمره لم ينجح قيس سعيد في حلحلة اي ملف اقتصادي او اجتماعي فالبطالة في تصاعد وحركة الهجرة والتهجير جارية لا تتوقف مع ندرة وانقطاع تدفق المواد الاساسية والادوية هذا في ظل غلاء فاحش للمعيشة حتى ان جل المواطنين يقرون بان سعيد لا يقدر الا علي امرين ” العزل – السجن “
المحرر الصحفي : هل ما تعيشه تونس من أزمات بفعل فاعل يحاسب عليها النظام الحالي أم أنها نتيجة تراكمات طويلة ؟
د ليلي الهمامي : اكيد ان هنالك مراكمات قادت الي انهيار جل منظمات الانتاج والي ارتفاع غير مسبوق لمستوي المديونية داخليا وخارجيا لكن النظام الحالي الذي ارساه قيس سعيد بتشجيعنا من بعض الدوائر الاجنبية لم يسعي الي حلحلة هكذا اوضاع بل ساهم من خلال سوء الحوكمة في تفاقمها وفي اتساع دائرة الأزمة التي تصاعدت من الاقتصادي إلي الاجتماعي وصولا إلي السياسي . فليس ثمة استراتيجية او خطة او برنامج او رؤية لإيقاف نزيف الانهيار غير الشعارات غير المجدية التي لم تفضي الا الي الحقد الطبقي وزرع الفتنة بين مكونات المجتمع الواحد ونسف ركائز العيش المشترك التي كانت من اهم ملامح الشخصية التونسية
المحرر الصحفي : هل هناك تجربة حكم عالمية تريدين تكرارها في تونس؟
د ليلي الهمامي : بعيدا عن كل نمطية وتوثين ايماني الراسخ ان مستقبل تونس لن يكون الا ديمقراطيا تعدديا وان تكون بلد حوار الحضارات وبلد السلام والتواصل في اطار سوق حر تكون فيه الثروة في متناول الجميع واسطر هنا في متناول الجميع بعيدا عن الثقافة الاقطاعية التي تسعي الي تكريس احتكار الثروة من اقلية اجتماعية او ان تجعل من الفقر حالة عامة وان تجعل من اليأس ثقافة مشتركة ، لم ينتبه قيس سعيد الي ان حلم الفقراء هو الثروة وان الفقر ليس حلم الفقراء كما يقول هو ” انا رئيس الفقراء ” وان الشعبوية وان بدت براقة في شعاراتها فهي لا تقود الا الي المآسي
المحرر الصحفي : من أنجح إمراة وصلت للحكم وحققت نجاحات من وجهة نظرك ؟
د ليلي الهمامي : بكل موضوعية اقول ان رئيسة الوزراء مارجريت ثاتشر كانت بلا منازع انجح النساء في الحكم مع انديرا غاندي فهي نجحت في عصرنة الاقتصاد الإنجليزي والتخلص من هيمنة النقابات ومن ضمان تماسك الإمبراطورية البريطانية
المحرر الصحفي : هل من رسالة تودين توجيهها للشعب التونسي ؟
د ليلي الهمامي : رسالتي للشعب التونسي ان يحيي حلم المستقبل وان يعمل علي تحقيقه وان يتشبث بحريته وان يزود عنها وان لا يفوت فيها مهما كان حجم الضغط او الترهيب ومهما كان اغواء الشعار فالحرية مفتاح التقدم والازدهار ودونها لا يمكن لأي مجتمع ان يتقدم ، ما اطرحه للتونسيين هو برنامج تقدم وازدهار بعيدا عن سجن الايدلوجيا والارتهان بالقوي والمحاور الأجنبية فليس ثمة بديل عندي عن العلم والمعرفة في قيادة الدولة وإدارة الشأن العام فأنا ليبرالية اقتصاديا اؤمن بتكامل الأدوار بين الدولة والخواص فالدولة تحمي الشرائح الضعيفة من المجتمع وتسعي الي إعادة توزيع الثروة دون انتهاكا لحق الملكية ومع احترام حق الفرد في النجاح والارتقاء الاجتماعي وانني اعلن نفسي معادية لايدلوجيا البؤس والفقر وداعمه لايدلوجيا الرخاء الاجتماعي العام .
المحرر الصحفي : ماذا تختلف ليلي الهمامي عن السياسيين في تونس ليتم انتخابها رئيسة للبلاد .. ما الذي يدفعني كتونسي أن أذهب للصندوق وأمنحك صوتي ؟
د ليلي الهمامي : الأكيد ان شخصية ليلي الهمامي ومسيرتها تختلف عن جل لم اقل كل السياسيين في تونس وذلك لأمرين أساسيين : الأول انني قطعت الجزء الأعظم من مسيرتي الاكاديمية والمهنية خارج تونس دون ان افقد الصلة بالواقع التونسي بمختلف مكوناته وتفاصيله ، والثاني اني خارج كل نزاع وبعيدة عن كل تصفيات الحسابات او تصفية الحساب التي سممت الأجواء السياسية في تونس منذ عهود الي اليوم ولعلني اضيف معطي أساسي يميزني هو تأكيدي وتأهيلي الطبيعي علي انجازي مصالحة وطنية تلغي وتسقط الأحقاد التي تباعد بين مكونات المجتمع السياسي التونسي وهو ما يؤهلني ان أكون شخصية المستقبل التي تستجيب لطموحات الشباب الذي صادرت منه أحلامه من نخب عجزت عن بناء المستقبل وغرقت في وحل الماضي الذي لا ينتهي .