ألقى سماحة العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله أوصيكم وأوصي نفسي بوصية الإمام جعفر الصادق(ع): “أكثروا من الدعاء، فإن الله يحب من عباده الذين يدعونه، وقد وعد عباده المؤمنين الاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة لهم، عملاً يزيدهم به في الجنة. وأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار، فإن الله أمركم بكثرة الذكر له، والله ذاكر من ذكره من المؤمنين. وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى، وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم. وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض، فإنها ليست من خصال الصالحين، فإنه من بغى صير الله بغية على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بغي عليه، وإياكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإن الكفر أصله الحسد. إياكم أن تشره نفوسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم، فإنه من انتهك ما حرّم الله عليه هاهنا في الدنيا، حال الله بينه وبين الجنّة ونعيمها ولذّتها وكرامتها”.
أيُّها الأحبّة:
إننا أحوج ما نكون إلى هذه الوصايا، لنهتدي بها ونجعلها زاداً لنا في الدنيا وسبيلاً لنا في الآخرة، وبها نعبر عن حبنا وولائنا لهذا الإمام ونصبح أكثر وعياً ومسؤولية وقدرة على مواجهة التحديات…
والبداية من أزمة الاستحقاق الرئاسي التي لا يبدو أنها في طريق الحل بفعل تمسك الأطراف المحليين كلٌّ على مواقفه وعلى شروطه فيما الخارج الذي يبقى في رأي البعض الملاذ للحل ولإخراج لبنان من حال المراوحة هذه، فرغم الحراك الذي نشهده من الموفدين الدوليين والإقليميين فلا يبدو أنه قادر على إقناع الأطراف الداخليين بالتراجع عن مواقفهم والتوصل إلى خيار يتوافق عليه الجميع، ذلك أن أياً من الأطراف ليس بوارد التراجع عن قراره في استحقاق يراه يمس بخياراته على صعيد البلد ومستقبله وعلى صعيد المنطقة وما يجري فيها…
ما يعني بقاء الوضع اللبناني على حاله إلى حين حدوث تطورات تأتي من الداخل أو من الخارج تجعل اللبنانيين يضطرون إلى الجلوس إلى طاولة حوار بينهم تنهي هذا الانقسام.
إننا أمام كل ذلك نعيد التأكيد على كل القوى السياسية أن الحل هو بأيديكم وأن لا خيار لكم للوصول إليه إلا بالتوافق والتلاقي والحوار لمعالجة الهواجس والمخاوف التي يراها كل فريق من الآخر والاتفاق على صورة البلد ومستقبله، فوفروا على البلد هذا الوقت الضائع الذي يأكل من رصيده السياسي والاقتصادي والمالي ومن رصيد أبنائه.
ولا تنتظروا أن يأتي لكم الخارج بالحل إن لم تبادروا إليه، ومن يراهن على الخارج قد ينتظر طويلاً بفعل خلافات الخارج أو لا مبالاته على خلفية أن لبنان ليس من أولوياته.
في هذا الوقت تستمر معاناة اللبنانيين على غير صعيد، فعلى الصعيد المعيشي والحياتي يستمر ارتفاع الأسعار وكلفة الدواء والاستشفاء ومتطلبات المدارس واحتياجاتها على صعيد التعليم وارتفاع فواتير الكهرباء والماء والضرائب والرسوم، ما بات ينوء اللبنانيون تحت ثقله من دون أن تبادر الدولة للقيام بأي إجراءات تخفف عنهم، بل تزيد على أعباءهم أعباء جديدة….
وفي هذا المجال نشير إلى تحذير أشار إليه كبار الاقتصاديين من المأزق المالي الذي قد يصل إليه هذا البلد بعدما استنفدت الحكومة اللبنانية حقوق السحب من المبلغ الذي كانت استلفته من البنك الدولي قبل عامين ورفض حاكم المصرف المركزي لأي تمويل للقطاع العام لعجز المصرف المركزي عن تغطيته، ما يعني أننا قد نكون على أبواب أزمة كبيرة حتى فيما يتصل برواتب الموظفين وصولاً إلى الإنفاق على الغذاء والدواء واستيراد المحروقات.
وعلى صعيد آخر تتفاقم أزمة النازحين السوريين والتي لم تعد تبعاتها تقف عند عدم قدرة البلد على تحمل الأعداد الكبيرة منهم، بفعل الوضع الاقتصادي الذي يعاني منه والخوف والهاجس الكبير من توطنيهم فيه، ما يترك تداعياته على التوازن الداخلي بين مكوناته وعلى منافستهم للبنانيين على صعيد العمل بل بما قد تعدى ذلك إلى الهاجس الأمني والخوف من أن يؤدي هذا الوجود إلى المس بالوضع الأمني والذي تظهره المداهمات التي تجري لبعض مخيمات النازحين أو الحوادث التي باتت تحصل بينهم وبين اللبنانيين.
وبدلاً من أن تقوم الدول والمنظمات الراعية لهذا النزوح بالأخذ بهذه الهواجس ومعالجتها، نجدها تزيد إمعاناً في زيادتها وإرغام لبنان على تحمل وجودهم من دون أن تأبه للتداعيات الخطيرة له أو مساعدته على تحمل تبعاته أو التخفيف منه.
إننا أمام هذه المعضلة التي بدأت تلقي بظلالها على اللبنانيين، ندعو الدولة إلى الإسراع بالقيام بالدور المطلوب منها لمعالجة هذه الأزمة وذلك لن يتم إلا من خلال التواصل المباشر مع الحكومة السورية وممارسة الضغوط على الدول الراعية للنزوح بكل الوسائل الممكنة والمتاحة والعمل بكل جدية لسد منافذ التهريب المفتوحة وإيجاد علاج لها، فيما يبقى الحل الجذري هو في فك الحصار الغربي على سوريا، والذي يسمح بإعادة الإعمار وتوفير مقومات الحياة التي تسمح للكثيرين بالعودة…
إننا لا ندعو إلى حلول ارتجالية وانفعالية أو إلى ما يزيد في تعقيد هذه الأزمة أو ترك هؤلاء لمصيرهم بل إلى حلول حكيمة مع الأخذ في الاعتبار واقعهم الإنساني عدم وصول الأمر إلى المس بأمن هذا البلد واستقراره واقتصاده وبتوازنه.
ونتوقف عند المجزرة التي حصلت في الكلية الحربية بحمص والتي أودت بعدد كبير من الضحايا من المتخرجين من هذه الكلية وأهاليهم، والتي يراد منها أن تستهدف أمن هذا البلد واستقراره وإثارة الفتن بين مكوناته…
إننا في الوقت الذي ندين ما حصل ونقدم العزاء لسوريا قيادةً وشعباً ولأهالي الضحايا والدعاء بالشفاء للمكلومين والجرحى، فإننا ندعو إلى العمل بكل جدية من أجل إيقاف هذا النزيف وتضافر الجهود لاستئصال كل البؤر التي لا تريد لهذا البلد الأمان والاستقرار وتزيد من معاناته ورفع يد الاحتلال عنه والذي يسهم وجوده في تغذية هذه البؤر وامتلاكها لحرية الحركة ومنع إمساك الدولة السورية الأمن.
وأخيراً، إننا في أجواء أسبوع الوحدة الإسلامية والتي تأتي بمناسبة مولد النبي(ص) الجامع للمسلمين جميعاً بكل مذاهبهم، نرى أن العمل لهذه الوحدة وتجسيده على مستوى العلاقات بين الدول والشعوب الإسلامية هو من أهم مصاديق الترجمة العملية لانتمائنا للنبي(ص).
ومن هنا نؤكد أهمية مؤتمر الوحدة الإسلامية الذي عقد في طهران في الجمهورية الإسلامية في إيران والذي تحرص على إقامته كل سنة، الذي كان لي شرف المشاركة فيه مع أكثر من مئتي شخصية إسلامية من نخب العالم العربي والإسلامي، إننا نأمل أن تكون هذه الخطوة وغيرها من الخطوات محطة على طريق توحيد المسلمين لتعزيز قوتهم وحضورهم في هذا العالم لمنع عبث أيادي الفتنة بهم ووقوفهم صفاً واحداً لمواجهة التحديات التي تستهدف دينهم وقيمهم وثرواتهم ومقدساتهم…