كلودين عون خلال جلسة حوارية في نقابة المحامين في طرابلس حول تطبيق قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه:
“مع تبدل العصور وتغير شروط المعيشة، تبدلت النظرة إلى موضوع التحرش ولم يعد مقبولاً لا في بعده الأخلاقي ولا بانعكاساته على الضحية. وبات يُعترف لكل إنسان أياً كان موقعه بحقوق ملازمة لصفته الإنسانية ومن هذه الحقوق عدم التعرض لتدخل تعسفي في حياته الخاصة.”
نظّمت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية بالشراكة مع نقابة المحامين في طرابلس وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان جلسة حوارية في نقابة المحامين في طرابلس حول القانون المتعلّق بتجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه رقم 205/2020.
يأتي هذا اللقاء ضمن المشروع المشترك الذي تنفذه الهيئة الوطنية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان والذي يتضمّن سلسلة جلسات توعوية وحوارية في نقابات ومؤسسات عدة معنية بتطبيق قانون تجريم التحرش الجنسي والسياسات الخاصة به.
شارك في اللقاء السيدة كلودين عون رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ونقيبة المحامين في طرابلس الأستاذة ماري تيريز القوّال بالإضافة إلى عضوات وأعضاء من مجلس نقابة المحامين في طرابلس ومحامين ومحاميات من النقابة.
افتتحت النقيبة القوّال اللقاء بكلمة ترحيبية قالت فيها: “منذ حوالي الخمسة اشهر شاركت في ورشة عمل بعنوان ” مواكبة تطبيق قانون التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه نحو تنفيذ فعّال وشفاف ” هدفت بشكل اساسي الى تقييم تطبيق مجريات تطبيق القانون رقم ٢٠٥/٢٠٢٠ بعد مرور سنتين على اصداره وذلك للوقوف على التحديات والعقبات التي تحد من ضمان تحقيق الاهداف المرجوة من القانون وشفافية تطبيقه ومناقشة سبل معالجتها، لذا اعذروني ان كررت بعضا مما سبق وذكرت..”
وأشارت النقيبة إلى أن:” لا شك فيه ان القوانين بصورة عامة، والجزائية منها بصورة خاصة، تشكل مرآةَ الأخلاقيات والقيم في المجتمع الذي ترعاه، والحدَّ الفاصلَ فيه ما بين الفضيلة وعكسِها. قاعدةٌ راسخةٌ تملي أن يظلَّ تطور القوانين الوضعية مطابقًا لواقع الآداب الاجتماعية في البلد، حفاظًا على ما تراكم منها في وجدان الأجيال المتعاقبة. ويدخل التحرش الجنسي ضمن معطيات هذه القاعدة، فهو لم يجرَّم عندنا، إلا لأنه مناقضٌ للأخلاقيات العامة التي تسود المجتمع اللبناني، بل الشرقيَّ على وجه العموم، بل الإنسانيَّ على وجهٍ أعم… هنا أدخل مباشرة إلى تجربة نقابة المحامين في طرابلس مع هذا القانون وتطبيقاته العملية، فأشير إلى أن مركز المعونة القضائية والمساعدة القانونية في النقابة استقبل منذ انطلاقه في العام 2021 / سبعةً وعشرين ملفًّا (27) متعلقًا بحالات التحرش الجنسي والاغتصاب، من ضمنها حوادث الابتزاز الإلكتروني. هذا، لا يعكس طبعًا بشكل دقيق واقع الحال، لأن عددًا غيرَ قليل من ضحايا التحرش يفضلون السكوت عما يتعرضون له، والإحجام عن الادعاء على الفاعل مخافة الفضيحة، وهنا يبرز دور المجتمع في تشجيع الضحايا بالاحتضان والتأييد، كي لا يفلت المجرمون من العقاب.”
وأضافت: “ومن خلال جلسات التوعية حول قانون التحرش التي تقدمها النقابة عبر معهد حقوق الانسان و مركز المعونة القضائية والمساعدة القانونية تبين ما يأتي: أن حالات التحرش الجنسي لم تقتصر على الفتيات القاصرات، بل هناك أيضاً قاصرون ذكور كانوا عُرضةً لتحرشاتٍ وصل بعضها إلى حد الاغتصاب. أن حالات التحرش بالفتيات الصغيرات دون الثانية عشرة من عمرهنَّ غالباً ما يكون فاعلوها من أفراد العائلة المقربين. أن النسبة العظمى من الضحايا، سيانِ أكانوا ذكورًا أم إناثًا، ما زالوا يجهلون الحقوق التي يوليهم إياها القانون رقم 205/2020، بل إن بعضهم يجهل أصلًا وجود هذا القانون المتعلق بالتحرش الجنسي. أنَّ الضابطة العدلية قبل العام 2020 كانت تنصح الضحايا بغض النظر وعدم الادعاء إذا اقتصر الفعل المشكو منه على التحرش دون الاغتصاب، تحت حجة انتفاء النص المجرِّم. أما الآن فأصبح دور الضابطة العدلية أكثر فعالية في ملاحقة هذا الجرم. أن وجود قاضيات سيدات في النيابات العامة ودوائر التحقيق، هو عامل أمانٍ للفتيات اللواتي يتعرضن للتحرش.”
رغم ذلك أثبتت جلسات التوعية أن العقلية السائدة في المجتمع اللبناني التي تميل إلى لوم الضحية قبل إدانة الجاني، دفعت ببعض الأمهات إلى لوم بناتهن القاصرات وفرض التكتم عليهنَّ وعدم الإفصاح أمام أحد، عمّا تعرَّضْنَ له.
وهنا لا بد لي من الاشارة الى اننا وفور عرض اي ملف علينا او اي طلب للمساعدة من قبل احد ضحايا التحرش او ذويه نبادر فورا و عبر مركز المعونة القضائية الى تكليف أحد المحامين بمتابعتِه ودون تكبيد طالب الخدمة اية مصاريف او اتعاب اذا توفرت لديه المعايير المطلوبة .
وتابعت: “مع العلم اننا وبعد المتابعة والاطلاع على بعض الاحكام تبين لنا انها اجمعت تقريبا على اعتبار أن أفعال التحرش يجب أن تكون واضحة، وأن يجري تقديرُها بصورة موضوعية، ولا تكونَ خاضعة للتقدير الشخصي للضحية ، من هنا، يجب العمل على امرين اساسيين : أن تجري على الدوام قراءة القانون قراءات متجددة في المجلس النيابي عبر تعديل النصوص عند الحاجة، وعبر الاجتهادات القضائية التي تسهم في تفعيل الحماية والعقاب بتوسيع نطاق تفسير النصوص ذات الصلة، ما يؤدي إلى توسيع نطاق الردع وإلى منع التملص من العقوبة.”
بعدها ألقت السيدة عون كلمة جاء فيها: “نلتقي اليوم للتباحث في موضوع تطبيق قانون تجريم التحرش الجنسي القانون 205/2020. فخلافاً لغيره من القوانين التي يفترض بها أن تكون نافذة بعد نشرها في الجريدة الرسمية، يتطلب تطبيق هذا القانون بروحيته، من جانب القضاء مزيداً من التباحث بين الحقوقيين والحقوقيات بغية توضيح الأبعاد المبدئية التي يستند إليها والاشكاليات التي قد يثيرها العمل به. وقد أتى هذا اللقاء نتيجة لحرص كل من الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية ونقابة المحامين في بيروت على التعاون للعمل بفعالية لإحقاق احترام حقوق الإنسان في لبنان للنساء وللرجال. يعتبر موضوع التحرش من المواضيع الجديدة التي دخلت خلال السنوات الأخيرة في نطاق الاهتمامات الحقوقية. فالموضوع كان يعالج تقليدياً من زاوية الحفاظ على الآداب أي من زاوية الأخلاق المجتمعية، إنما لم تكن هذه المقاربة كافية للحؤول دون حصول التحرش ولم تكن تعير اهتماماً يذكر بالضرر اللاحق بالضحية. الحل بالنسبة إلى هذه الأخيرة كان ينحصر في غالبية الحالات “بالهروب”، بالابتعاد قدر المستطاع عن الالتقاء بالمتحرش، أو مصادفته.”
أضافت: “في كثير من الأحيان كان يعني ذلك تخلي الضحية عن نشاط تمارسه في الدراسة في العمل وحتى في المحيط المباشر، في الأسرة وفي الجوار. زيادة عن ذلك وتماشياً مع الصورة النمطية السائدة عن الرجولة العاجزة عن مقاومة الشهوة الجنسية، كانت ولا تزال تعتبر الضحية نفسها مسؤولة عن حدوث التحرش لمجرد وجودها في الموقع الذي يتواجد فيه المتحرش. هذا المنطق والسعي لعدم تعرض الفتيات والنساء للتحرش كان في الماضي، في المجتمعات القائمة على الأنظمة البطريركية، في أساس العادات الفاصلة بين الجنسين، في جميع المجالات، في السكن في المنزل الأسري، في العمل وفي أي نشاط دراسي أو مهني أو ترفيهي.”
وتابعت: “مع تبدل العصور وتغير شروط المعيشة، تبدلت النظرة إلى موضوع التحرش ولم يعد مقبولاً لا في بعده الأخلاقي ولا بانعكاساته على الضحية. بات يُعترف لكل إنسان أياً كان موقعه بحقوق ملازمه لصفته الإنسانية ومن هذه الحقوق عدم التعرض لتدخل تعسفي في حياته الخاصة. في لبنان، شكل إقرار قانون تجريم التحرش الجنسي وتأهيل ضحاياه نقلةً نوعيةً في التاريخ التشريعي، إذ بات المشترع يعترف بالضرر الذي يستتبعه التحرش الجنسي على الضحية. فحتى إذا كان هذا الضرر مجرد ضرر معنوي، فهو يعتبر شكلاً من أشكال ممارسة العنف الذي يستوجب العقاب.”
وأشارت إلى أن: “لابد أيضًا من الإضاءة على عنصر بات يدخل في توصيف القانون لجرم التحرش الجنسي وهو “كونه غير مرغوبٍ به من الضحية”. فأيًا كانت خطورة الفعل، بات هذا العنصر أساسيًا في توصيف التحرش. بالإضافة إلى ذلك، اعتبر القانون أن شرط تكرار الفعل في توصيف جريمة التحرش الجنسي ليس مطلوبًا إذا كان الفعل المجرم مقرونًا بأي نوع من أنواع الضغط النفسي أو المعنوي أو المادي أو العنصري. كذلك، شدد القانون العقوبة على المرتكب في حال حصول الجريمة في إطار رابطة التبعية أو علاقة العمل، الأمر مما يوفر حماية “للأطراف الضعيفة في المجتمع” التي رمى القانون إلى حمايتها كما هو وارد في أسبابه الموجبة. هذا، علماً أن النساء غير المتمكنات علميًا واقتصاديًا من ذوات الحاجة الملحة لكسب العيش، يشكلن فئة أساسية من هذه الأطراف.”
وأكدت أن: “يعتبر تطبيق هذا القانون أمرًا أساسيًا، ليس فقط لصون الحقوق الإنسانية للضحايا إنما أيضًا لتوفير حيثية حقوقية للنساء من الفئات المحتاجة، اللواتي تتاح لهن فرصة اللجوء إلى القانون وإلى القضاء في حالة التعرض لمحاولات من يسعى إلى استغلال ضعف إمكانياتهن الاقتصادية والعلمية لتحقيق “منفعة ذات طبيعة جنسية” على ما هو وارد في النص. لذا، من شأن العمل بهذا القانون تشجيع هذه الفئة من النساء على الانخراط بسوق العمل والتغلب على الخشية من التعرض للتحرش والابتزاز وبالتالي تلطيخ السمعة. لكن عندما نتحدث عن الفئات المستضعفة من النساء علينا عدم إغفال جهود التوعية التي ينبغي أن تستهدفهن للتعريف بالقانون وبآليات اللجوء إليه. كما علينا أيضًا ألا نغفل أن تسهيل الوصول إلى العدالة بالنسبة إلى النساء من جميع الأوساط، الفقيرة كما الميسورة، يتطلب إدراكاً لأهمية توفير وسائل إثبات الجرم ودحض حجج دفاع المرتكب وخاصة الادعاء بأن الارتكاب حصل برضى الضحية.”
وختمت: “نأمل أن تكون هذه الجلسة مثمرة في توضيحها لسبل تطبيق هذا القانون، انطلاقًا من خلفيته الحقوقية، مع أخذ الظروف الصعبة التي تحيط عادة بالضحايا صاحبات الشكاوى، بعين الاعتبار. أخيرًا، أتقدم بالشكر لنقابة المحامين في بيروت والنقيب ناضر كاسبار للاستضافة، كما أشكر صندوق الأمم المتحدة للسكان ومديرة مكتبه في لبنان السيدة أسمى قرداحي لدعمه تنظيم هذه الجلسة، وأثمن مشاركتكم في إثراء مناقشاتها.”
وخلال اللقاء استعرضت الاستاذة غادة جنبلاط عضو المكتب التنفيذي في الهيئة الوطنية، مسار إقرار القانون، أسبابه الموجبة، إضافة إلى عناصر الجرم ونماذج عن تطبيقات قضائية. كما وتناول العرض التحديات التي تواجه تطبيق القانون وسبل تخطيها.